سورة التوبة - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


هذه الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وقال الحسن: وفي معتب بن قشير معه، واختصار ما ذكره الطبري وغيره من أمره أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعل لي مالاً فإني لو كنت ذا مال لقضيب حقوقه وفعلت فيه الخير، فراده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه»، فعاود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «ألا تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو دعوت الله أن يسير الجبال معي ذهباً لسارت»، فأعاد عليه حتى دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة، فتنحى عنها وكثرت غنمه، فكان لا يصلي إلا الجمعة ثم كثرت حتى تنحى بعيداً ونجم نفاقه، ونزل خلال ذلك فرض الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث مصدقين بكتابه في أخذ زكاة الغنم، فلما بلغوا ثعلبة وقرأ الكتاب قال: هذه أخت الجزية، ثم قال لهم: دعوني حتى أرى رأيي، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه، قال «ويح ثعلبة ثلاثاً»، ونزلت الآية فيه، فحضر القصة قريب لثعلبة فخرج إليه فقال أدرك أمرك، فقد نزل كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغب أن يؤدي زكاته فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال «إن أمرني الله أن لا آخذ زكاتك»، فبقي كذلك حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ورد ثعلبة على أبي بكر ثم على عمر ثم على عثمان يرغب إلى كل واحد منهم أن يأخذ منه الزكاة، فكلهم رد ذلك وأباه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقي ثعلبة كذلك حتى هلك في مدة عثمان. وفي قوله تعالى: {فأعقبهم} نص المعاقبة على الذنب بما هو أشد منه، وقوله: {إلى يوم يلقونه} يقتضي موافاتهم على النفاق، ولذلك لم يقبل الخلفاء رضي الله عنهم رجوع ثعلبة لشهادة القرآن عليه بالموافاة، ولولا الاحتمال في أنه نفاق معصية لوجب قتله، وقرأ الأعمش {لنصدقن} بالنون الثقيلة مثل الجماعة {ولنَكونَن} خفيفة النون، والضمير الذي في قوله {فأعقبهم} يعود على الله عز وجل.
ويحتمل أن يعود على البخل المضمن في الآية، ويضعف ذلك الضمير في {يلقونه}، وقوله {نفاقاً في قلوبهم}، يحتمل أن يكون نفاق كفر ويكون تقرير ثعلبة بعد هذا النص والإبقاء عليه لمكان إظهاره الإسلام وتعلقه بما فيه احتمال.
ويحتمل أن يكون قوله {نفاقاً} يريد به نفاق معصية وقلة استقامة، فيكون تقريره صحيحاً ويكون ترك في أول الزكاة عقاباً له ونكالاً.
وهذا نحو ما روي أن عاملاً كتب إلى عمر بن عبد العزيز أن فلاناً يمنع الزكاة، فكتب إليه أن دعه واجعل عقوبته أن لا يؤدي الزكاة مع المسلمين، يريد لما يلحقه من المقت في ذلك، وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو وعاصم ونافع وسائرهم {يكذبون} قرأ أبو رجاء {يكذبون} وذكر الطبري في هذه الآية ما يناسبها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً، إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان» وفي حديث آخر «وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر» ونحو هذا من الأحاديث، ويظهر من مذهب البخاري وغيره من أهل العلم أن هذه الخلال الذميمة منافق من اتصف بها إلى يوم القيامة.
وروي أن عمرو بن العاص لما احتضر قال زوجوا فلاناً فإني قد وعدته لا ألقى الله بثلث النفاق، وهذا ظاهر كلام الحسن بن أبي الحسن، وقال عطاء بن أبي رباح قد فعل هذه الخلال إخوة يوسف ولم يكونوا منافقين بل كانوا أنبياء، وهذه الأحاديث إنما هي في المنافقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، الذين شهد الله عليهم، وهذه هي الخصال في سائر الأمة معاص لا نفاق.
قال القاضي أبو محمد: ولا محالة أنها كانت مع التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، معاص لكنها من قبيل النفاق اللغوي، وذكر الطبري عن فرقة أنها قالت: كان العهد الذي عاهد الله عليه هؤلاء المنافقون شيئاً نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به.
قال القاضي أبو محمد: وهذا فيه نظر، وقوله: {ألم يعلموا} الآية، لفظ به تعلق من قال في الآية المتقدمة إن العهد كان من المنافقين بالنية لا بالقول، وقرأ الجمهور {يعلموا} بالياء من تحت، وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن {ألم تعلموا} بالتاء، من فوق، وهذه الآية تناسب حالهم وذلك أنها تضمنت إحاطة علم الله بهم وحصره لهم، وفيها توبيخهم على ما كانوا عليه من التحدث في نفوسهم من الاجتماع على ثلب الإسلام، وراحة بعضم مع بعض في جهة النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه، فهي تعم المنافقين أجمع، وقائل المقالة المذكورة ذهب إلى أنها تختص بالفرقة التي عاهدت.


قوله {الذين يلمزون} رد على الضمائر في قول {يكذبون} [التوبة: 77] و{ألم يعلموا} [التوبة: 87] و{سرهم ونجواهم} [التوبة: 78] و{يلمزون} معناه ينالون بألسنتهم، وقرأ السبعة {يلمِزون} بكسر الميم، وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب وابن كثير فيما روي عنه {يلمُزون} بضم الميم، و{المطوعين} لفظة عموم في كل متصدق، والمراد به الخصوص فيمن تصدق بكثير دل على ذلك قوله، عطفاً على {المطوعين}، {والذين لا يجدون}، ولو كان {الذين لا يجدون} قد دخلوا في {المطوعين} لما ساغ عطف الشيء على نفسه، وهذا قول أبي علي الفارسي في قوله عز وجل: {من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل} [البقرة: 98] فإنه قال المراد بالملائكة من عدا هذين.
وكذلك قال في قوله: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} [الرحمن: 68] وفي هذا كله نظر، لأن التكرار لقصد التشريف يسوغ هذا مع تجوز العرب في كلامها، وأصل {المطوعين} المتطوعين فأبدل التاء طاء وأدغم، وأما المتصدق بكثير الذي كان سبباً للآية فأكثر الروايات أنه عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة آلاف وأمسك مثلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أنفقت».
وقيل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصدق بنصف ماله، وقيل عاصم بن عدي تصدق بمائة وسق، وأما المتصدق بقليل فهو أبو عقيل حبحاب الأراشي، تصدق بصاع من تمر وقال يا رسول الله جررت البارحة بالجرير وأخذت صاعين تركت أحدهما لعيالي وأتيت بالآخر صدقة.
فقال المنافقون: الله غني عن صدقة هذا، وقال بعضهم: إن الله غني عن صاع أبي عقيل، وقيل: إن الذي لمز في القليل أبو خيثمة، قاله كعب بن مالك صاحب النبي صى الله عليه وسلم، وتصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف، وقيل بأربعمائة أوقية من فضة، وقيل أقل من هذا.
فقال المنافقون: ما هذا إلا رياء، فنزلت الآية في هذا كله، وقوله: {فيسخرون} معناه يستهزئون ويستخفون، وهو معطوف على {يلمزون}، واعترض ذلك بأن المعطوف على الصلة فهو من الصلة وقد دخل بين هذا المعطوف والمعطوف عليه قوله {والذين لا يجدون}، وهذا لا يلزم، لأن قوله {والذين} معمول للذي عمل في {المطوعين} فهو بمنزلة قوله جاءني الذي ضرب زيداً وعمراً فقتلهما، وقوله: {سخر الله منهم} تسمية العقوبة باسم الذنب وهي عبارة عما حل بهم من المقت والذل في نفوسهم، وقوله: {ولهم عذاب أليم} معناه مؤلم، وهي آية وعيد محض، وقرأ جمهور {جُهدهم} بضم الجيم، وقرأ الأعرج وجماعة معه {جَهدهم} بالفتح، وقيل هما بمعنى واحد، وقاله أبو عبيدة، وقيل هما لمعنيين الضم في المال والفتح في تعب الجسم، ونحوه عن الشعبي، وقوله: {الذين يلمزون} يصح أن يكون خبر ابتداء تقديره هم الذين، ويصح أن يكون ابتداء وخبره {سخر}، وفي {سخر} معنى الدعاء عليهم.
ويحتمل أن يكون خبراً مجرداً عن الدعاء، ويحتمل أن يكون {الذين} صفة جارية على ما قبل كما ذكرت أول الترجمة، وقوله تعالى {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} يحتمل معنيين، أحدهما أن يكون لفظ أمر ومعناه الشرط، بمعنى إن استغفرت أو لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم، فيكون مثل قوله تعالى: {قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم} [التوبة: 53] وبمنزلة قول الشاعر: [الكثير]
أسيئي لنا أو أحسني لا ملومة *** لدينا ولا مقلية إن تقلت
وإلى هذا المعنى ذهب الطبري وغيره في معنى الآية، والمعنى الثاني الذي يحتمله اللفظ أن يكون تخييراً، كأنه قال له: إن شئت فاستغفر وإن شئت لا تستغفر ثم أعلمه أنه لا يغفر لهم وإن استغفر {سبعين مرة} وهذا هو الصحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبيينه ذلك.
وذلك أن عمر بن الخطاب سمعه بعد نزول هذه الآية يستغفر لهم فقال يا رسول الله، أتستغفر للمنافقين وقد أعلمك الله أنه لا يغفر لهم، فقال له «يا عمر إن الله قد خيرني فاخترت، ولو علمت أني إذا زدت على السبعين يغفر لهم لزدت»، ونحو هذا من مقاولة عمر في وقت إرادة النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على عبد الله بن أبي ابن سلول، وظاهر صلاته عليه أن كفره لم يكن يقيناً عنده، ومحال أن يصلي على كافر، ولكنه راعى ظواهره من الإقرار ووكل سريرته إلى الله عز وجل، وعلى هذا كان ستر المنافقين من أجل عدم التعيين بالكفر.
وفي هذه الألفاظ التي لرسول الله صلى الله عليه وسلم رفض إلزام دليل الخطاب، وذلك أن دليل الخطاب يقتضي أن الزيادة على السبعين يغفر معها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو علمت فجعل ذلك مما لا يعلمه، ومما ينبغي أن يتعلم ويطلب علمه من الله عز وجل، ففي هذا حجة عظيمة للقول برفض دليل الخطاب، وإذا ترتب كما قلنا التخيير في هذه الآية صح أن ذلك التخيير هو الذي نسخ بقوله تعالى: في سورة المنافقون
{سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} [المنافقون: 6] ولمالك رحمه الله مسائل تقتضي القول بدليل الخطاب، منها قوله: إن المدرك للتشهد وحده لا تلزمه أحكام الإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» فاقتضى دليل الخطاب أن من لم يدرك ركعة فليس بمدرك، وله مسائل تقتضي رفض دليل الخطاب، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم، «وفي سائمة الغنم الزكاة» فدليل الخطاب أن لا زكاة في غير السائمة، ومالك يرى الزكاة في غير السائمة، ومنها أن الله عز وجل يقول في الصيد {من قتله منكم متعمداً} [المائدة: 95] فقال مالك: حكم المخطئ والمتعمد سواء ودليل الخطاب يقتضي غير هذا، وأما تمثيله السبعين دون غيرها من الأعداد فلأنه عدد كثيراً ما يجيء غاية وتحقيقاً في الكثرة، ألا ترى إلى القوم الذين اختارهم موسى وإلى أصحاب العقبة وقد قال بعض اللغويين إن التصريف الذي يكون من السين والباء والعين فهو شديد الأمر، من ذلك السبعة فإنها عدد مقنع هي في السماوات وفي الأرض وفي خلق الإنسان وفي رزقه وفي أعضائه التي بها يطيع الله وبها يعصيه، وبها ترتيب أبواب جهنم فيما ذكر بعض الناس، وهي عيناه وأذناه ولسانه وبطنه وفرجه ويداه ورجلاه، وفي سهام الميسر وفي الأقاليم وغير ذلك.
ومن ذلك السبع والعبوس والعنبس ونحو هذا من القول، وقوله {ذلك} إشارة إلى امتناع الغفران، وقوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} إما من حيث هم فاسقون، وإما أنه لفظ عموم يراد به الخصوص فيمن يوافي على كفره.


هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم وفي ضمنها وعيد، وقوله {المخلفون} لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه وهذا أمكن في هذا من أن يقال المتخلفون، ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر، ومقعد مصدر بمعنى القعود، ومثله:
من كان مسروراً بمقتل مالك ***
وقوله {خلاف} معناه بعد وأنشد أبو عبيدة في ذلك: [الكامل]
عقب الربيع خِلاَفُهمْ فكأنَّما *** بسط الشواطب بينهنَّ حصير
يريد بعدهم ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى *** تأهَّبْ لأخرى مثلَها فَكَأَنْ قدِ
وقال الطبري هو مصدر خالف يخالف.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا هو مفعول له، والمعنى {فرح المخلفون بمقعدهم} لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مصدر ونصبه في القول الأول كأنه على الظرف، وكراهيتهم لما ذكر هي شح إذ لا يؤمنون بالثواب في سبيل الله فهم يظنون بالدنيا، وقولهم {لا تنفروا في الحر} كان لأن غزوة تبوك كانت في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال، قاله ابن عباس وكعب بن مالك والناس، فأقيمت عليهم الحجة بأن قيل لهم فإذا كنتم تجزعون من حر القيظ فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فهمتم، وقرأ ابن عباس وأبو حيوة {خلف} وذكرها يعقوب ولم ينسبها وقرئ {خُلف} بضم الخاء، ويقوي قول الطبري أن لفظة الخلاف هي مصدر من خالف ما تظاهرت به الروايات من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنفر فعصوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين.
وقال محمد بن كعب: قال: {لا تنفروا في الحر} رجل من بني سلمة.
وقال ابن عباس: قال رجل يا رسول الله الحر شديد فلا تنفر في الحر، قال النقاش: وفي قراءة عبد الله {يعلمون} بدل {يفقهون}، وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خيثم وقتادة وابن زيد قوله {فليضحكوا قليلاً} إشارة إلى مدة العمر في الدنيا، وقوله {وليبكوا كثيراً} إِشارة إلى تأبيد الخلود في النار، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم، ويحتمل أن يكون صفة حالهم أي هم لما هم عليه من الخطر مع الله، وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلاً وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم، لأمته «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً».
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قال هذا الكلام أوحى الله إليه يا محمد لا تقنط عبادي، و{جزاء} متعلق بالمعنى الذي تقديره {وليبكوا كثيراً} إذ هم معذبون {جزاء}، وقوله: {يكسبون} نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب، وقوله: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم} الآية، {رجع} يستوي مجاوزه وغير مجاوزه، وقوله تعالى: {إن} مبينة أن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعلم بمستقبلات أمره من أجل وسواه وأيضاً فيحتمل أن يموتوا هم قبل رجوعه وأمر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، بأن يقول لهم {لن تخرجوا معي}، هو عقوبة لهم وإظهار لدناءة منزلتهم وسوء حالهم، وهذا هو المقصود في قصة ثعلبة بن حاطب التي تقدمت في الامتناع من أخذ صدقته، ولا خزي أعظم من أن يكون إنسان قد رفضه الشرع ورده كالجمل الأجرب، وقوله: {إلى طائفة} يقتضي عندي أن المراد رؤوسهم والمتبوعون، وعليها وقع التشديد بأنها لا تخرج ولا تقاتل عدواً، وكرر معنى قتال العدو لأنه عظم الجهاد وموضع بارقة السيوف التي تحتها الجنة، ولولا تخصيص الطائفة لكان الكلام {فإن رجعك الله إليهم}، ويشبه أن تكون هذه الطائفة قد ختم عليها بالموافاة على النفاق، وعينوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فكيف يترتب ألا يصلي على موتاهم إن لم يعينهم الله، وقوله: {وماتوا وهم فاسقون} ونص في موافاتهم، ومما يؤيد هذا ما روي أن ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، عينهم لحذيفة بن اليمان وكانت الصحابة إذا رأوا حذيفة تأخر عن الصلاة على جنازة رجل تأخروا هم عنها.
وروي عن حذيفة أنه قال يوماً: بقي من المنافقين كذا وكذا، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشدك الله أنا منهم؟ فقال لا، والله، لا أمنه منها أحداً بعدك، وقرأ جمهور الناس {معي} بسكون الياء في الموضعين، وقرأ عاصم فيما قال المفضل {معيَ} بحركة الياء في الموضعين، وقوله {أول} هو الإضافة إلى وقت الاستئذان.
و الخالفون جميع من تخلف من نساء وصبيان وأهل عذر غلب المذكر فجمع بالياء والنون وإن كان ثم نساء، وهو جمع خالف، وقال قتادة الخالفون النساء، وهذا مردود، وقال ابن عباس: هم الرجال، وقال الطبري: يحتمل قوله {مع الخالفين} أن يريد مع الفاسدين، فيكون ذلك مأخوذاً من خلف الشيء إذا فسد ومنه خلوف فم الصائم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل مقحم والأول أفصح وأجرى على اللفظة، وقرأ مالك بن دينار وعكرمة {مع الخلفين} وهو مقصور من الخالفين، كما قال: عرداً وبرداً عارداً وبارداً، وكما قال الآخر: [الرجز]
مثل النقا لبده برد الظلال *** يريد الظلال.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15